مشاهير
نوال بري
الثائرة الجميلة
رومي عبدالله
17-June-2022
عرفناها إعلامية فذة، حملت لواء حقوق الانسان في وطن الأرز، من خلال عملها الذي ذهبت به الى حيث لا يجرؤ الآخرون.. فمن "أعزاز" حيث ذهبت للاطمئنان الى أحوال المخطوفين، الى إندونيسيا حيث كانت أول الواصلين لمساندة اللبنانيين الناجين من سفينة الموت، وصولاً الى ساحات الثورة حيث هتفت مع الثوار مطالبة بحقوقهم.
وبشكل مفاجىء، اعتزلت الاعلام وهي في قمة عطاءاتها ونجوميتها، لتتجه نحو التمثيل، ولكن قضيتها لم تتبدّل، فمن خلال مسلسل "والتقينا" الذي أظهر قدرات نوال التمثيلية وطبيعية أدائها، أتت لتحث اللبنانيين على التصويت للتغيير لننقذ الوطن من براثن الفساد، وبأن ما يطالبون به هي "حقوق وليست مطالب"... فبكينا معها وثرنا معها على واقع بلادنا المر، وهتفنا معها للبنان، وأحببنا الحب يوم أحبت...
خلف هذه الثائرة الجميلة، أنوثة طاغية وأناقة وثقافة مجبولة بالذكاء والطيبة والطبيعية في آن. تعالوا معنا لنكتشف عالم نوال بري الحقيقي، وسر عشقها للتمثيل والطبيعة وللتحديات الخطيرة، وأسرار أخرى في هذا اللقاء الشيق. إليكم التفاصيل.
الجميع يعرف نوال الاعلامية الفذة ومؤخراً الممثلة التي تركت بصمة لافتة منذ ظهورها الأول، فماذا عن نوال بعيداً عن الأضواء؟
أجد نفسي امرأة قوية. نوال الاعلامية تمثل شخصية نوال الحقيقية، فنظرا لشفافيتي المفرطة، فإن ما ترينه على الشاشة هي نفسها نوال في الحقيقة. أعمل على نفسي وأجتهد لأكون راضية عما انا عليه ومرتاحة الضمير. هذا فضلاً عن جانب آخر من شخصيتي لم يختبره سوى الذين يعرفونني جيداً.
أخبرينا عن هذا الجانب من شخصيتك. ما الذي تحبينه فيها وما الذي يتعبك وتودين لو تغيرينه؟
على الرغم من قوة شخصيتي، إلا ان حساسيتي المفرطة تتعبني، وأبكي لوجع الناس وعلى ما يحدث حولي من مآسِ وأزمات، واذا ما جرحت أحدا عن قصد أو بغيره، لا انام قبل أن أسوي الأمور بيننا. ولكنني مستمعة جيدة لأي نقد بنّاء، ولبعض الاشخاص الغيورين على مصلحتي ومسيرتي. أفكر جيداً بنصائحهم لأنها تكون نابعة من محبتهم لي، وأحاول ان أعمل بها. في المقابل، أحب طبيعيتي، وأحرص على أن أكون طبيعية في عملي وفي شخصيتي كما في مظهري الخارجي.
عرفناك اعلامية مقدامة ولم تترددي في الذهاب الى أكثر الاماكن خطورة بحثاً عن الحقيقة، ما أكثر مهمتين اعلاميتين خطورة قمت بهما وصنعتا اسم نوال بري كإعلامية شجاعة وناجحة؟
أرى ان أهم مهمة إعلامية قمت بها، عندما ذهبت للقاء المخطوفين في منطقة "عزاز". أعطوني رقم أحد الخاطفين فاتصلت به على الهواء مباشرة، فقال لي "إن كنت أريد لقاء المخطوفين أن آتي إليهم"، فقلت انا مستعدة لذلك، وهذا ما حدث بالفعل وعند الخامسة كنت في المطار متوجهة الى سوريا دون أن اعرف المنطقة التي سيأخذونني اليها لأنهم بالطبع اخبروني انهم في انتظاري في مكان وأخذوني الى آخر. واستمرت الرحلة لأكثر من 24 ساعة، وعندما وصلت إليهم، أصريت على أن يظهروا على الشاشة لطمأنة أهاليهم، والناس كانوا يشاهدون المخطوفين وهم يتكلمون مع اولادهم، وأذكر جيدا فتاة صغيرة تدعى زهرا، أبكتني وأبكت المشاهدين وهي تتكلم مع والدها عبر الهاتف ووالدها يجيبها من خلال التلفزيون. لقد كانت أكثر مرة بكيت فيها في حياتي. وكنت سعيدة في الوقت نفسه لأنني جعلت الأولاد يكلمون أباءهم ويطمئنون على سلامتهم... وأعتبر ان امتنان الأهالي وصلواتهم ودعاءهم لي جراء ما فعلته من أجلهم، هي التي أنقذتني من الخطر الذي كان يتربص بي هناك وهذه الصلوات هي التي جعلتني أعود سالمة الى لبنان.
لست حيادية بل انا اعلامية صاحبة قضية وأفتخر بذلك
ماذا عن المهمة الاعلامية الثانية الأبرز في حياتك المهنية؟
في أندونيسيا، حيث غرق مركباً كان على متنه أكثر من 68 مهاجراً لبنانياً كانوا يحاولون الدخول الى أستراليا عام 2013 بشكل غير قانوني، وقد نجا منهم حينها حوالي الـ 20 شخصاً فقطً. وقد كنت أول الواصلين إليهم بعد أيام أمضيتها وأنا أبحث عنهم في مناطق لم أكن قد سمعت عنها من قبل ولا أعرف لغة أهلها. أمضيت معهم 10 أيام قبل وصول الدولة اللبنانية لإنقاذ ما تبقى منهم وانتشال الجثث، وفي كل يوم كنت أطمئن أهلهم عبر شاشة التلفزيون وكانوا يتحدثون معهم، وكنا جميعنا نناشد الدولة للتحرك والقدوم لإنقاذنا. إنها من المهمات التي أفتخر بأنني قمت بها ولم تثنيني عنها مشقات السفر أو خطورة ما كنت أقوم به، بل كنت سعيدة بأنني استطعت حينها أن أمد يد المساعدة لأبناء بلدي وان اطمئن اهلهم عليهم.
نوال اليوم هل هي مستعدة لتكرار ما كانت تقوم به من ركوب المخاطر والذهاب بعيداً حيث لا يجرؤ الآخرون من خلال مهنة البحث عن المتاعب؟؟
لا، لأنني حينها لم أكن أعي ما كان ينتظرني من مخاطر، وفي كثير من الأحيان قاربت الموت وكنت في كل مرة أشعر بأنني لن أنجو. ولذا فأنا اليوم لا اجد نفسي قادرة بعد على المخاطرة بحياتي، ليس خوفا من المجهول بل لأنني أدركت انني أهملت نوال ومن حقها علّي ان اهتم بها وأؤمن لها حياة آمنة، بعد سنوات من المواجهات الخطرة والصراع في اكثر من اتجاه.
رغم كل ما قمت به كإعلامية الا ان البعض واجهك بالكثير من الانتقادات؟ كيف تعاملت معها؟
لا تهمني آراء المتنمرين والناقدين لمجرد النقد، ففي بداية عملي في مجال الاعلام كنت أتأثر كثيرا بأي نقد يُقال عني وكنت أهتم بما سيقوله الناس عن شخصيتي وأدائي، كنت أريد ان أكون على مقربة من أوجاع الناس، ولكن تجربتي في الاعلام علمتني انه لا يمكن لاحد ان يتمكن من إرضاء الجميع. ولذا قررت أن أعمل بضمير وأنا اكون انا، بطيبتي وقوتي، لأرضي نفسي وليس الناس.
كإعلامية كنت شفافة جداً لدرجة كان الناس يتوقعون الخبر، إن كان سعيداً ام حزيناً، قبل ان تتفوهي به، كما كانوا يعلمون من خلال أدائك، موقفك من السياسي الذي تحاورينه، ألم يؤثر ذلك سلباً على الحيادية المطلوبة في الاعلام؟
لست حيادية بل انا اعلامية صاحبة قضية وأفتخر أن أكون كذلك. حرصت على ان انقل الى الناس ما يحدث بأمانة وصدق، وأحمد الله انه خلال اكثر من 12 سنة من العمل الاعلامي لم أنطق بخبر او بمعلومة الا وكانت صحيحة. لم أكذب على الناس ولم اعمل على تعميتهم بل كنت أنقل اليهم حقيقة ما يجري.
أخذتني الحياة الى اماكن لا تشبهني
يعتبرك البعض متسرّعة في انفعالاتك أمام الكاميرا وفي قراراتك؟ فهل انت كذلك؟
أنفعل بشكل تلقائي وبصدق لأنني شفافة ولا أخفي تأثري بما يحدث حولي، لكنني لا أضع ذلك في خانة التسرّع. قد أكون متسرعة في بعض الأمور البسيطة والسطحية ولكنني لست كذلك في عملي وفي القرارات المصيرية التي أتخذها. عقلي سريع وليس متسرّع لأنّني أعرف جيداً ما أريد وما أطمح إليه.
تركت عالم الاعلام وانت في قمة نجاحاتك كشخصية اعلامية مؤثرة، ما كان سبب هذا الاعتزال المفاجىء والمبكر جداً؟
عندما تركت الاعلام، أعتبر اني تركت حياة بأكملها. لم أعتزل الاعلام لأتوجه نحو التمثيل بل تركت هذا العالم العزيز جداً عليّ لأنه استنفز كل طاقتي وتعبت من المواجهات والتنقل بين أزمة وأخرى ووجدت نفسي غير قادرة على التغيير الذي كنت أطمح لأن أساهم فيه من خلال الكلمة الحرة في الاعلام. كان اصعب قرار اتخذته، لأن الاعلام كان اكثر ما أحببته في حياتي، كنت أشبه بمن أخرجتِه من عالمه الخاص او كتلك التي تطلقت من رجل أحبته جداً... لكنني كنت أشعر ان الوقت قد حان للاهتمام بنوال، براحتها واحلامها الصغيرة منها والكبيرة. وكنت قد وصلت الى مكانة اعلامية لم يعد في الاعلام ما يثير بي التحدي أو يعلمني اي جديد. شعرت أني أريد ان أدخل تحدياً جديداً، ووضعت حياتي بين يديّ الله وطلبت منه ان يأخذني الى حيث يجب ان اكون، وخلال سنة أخذتني الحياة الى اماكن لا تشبهني ولم اجد نفسي فيها، وأنا امرأة أسير خلف قلبي في حياتي الشخصية والمهنية.
وكيف أوصلك قلبك الى عالم التمثيل؟
كنت أعشق التمثيل مذ كنت صغيرة وكنت أشارك في كل مسرحيات المدرسة. كانوا يعطوني أدواراً صعبة كوميدية ودرامية وكنت انجح في كلا المجالين... وعندما كانت تسألنا المعلمة عما نريد ان نكون عندما نكبر كنت أجيبها على الفور "ممثلة في هولييود"... فإن طموحاتي كانت عالمية ولم تقتصر على المحلية (ضاحكة).... ولكن والدي رفض ان أدخل الى معهد التمثيل وأصر علي ان أستحصل على شهادة علمية وان أتعاطى مع التمثيل كهواية ليس إلا.
فدخلت الى الجامعة لأدرس الطب لكنني لم أجد نفسي قادرة على هذا الكم من الدروس ولسنوات طوال، فتركت هذا الاختصاص ولكن والدي رفض مجدداً أن أدرس التمثيل، فتوجهت نحو الإعلام لاسيما واني متحدرة من عائلة تعشق الأدب العربي ونجيد اللغة العربية.
وهل وجدت نفسك في الإعلام؟
نعم وبشدة، فقد كان أصدقائي وزملائي في المدرسة يسمونني CNN كوني كثيرة الكلام منذ صغري، والأهم من كل ذلك انني لطالما أردت ان أكون صوت الناس، أمام الحكومات وكل جهة يمكنها ان تجد حلولاً لأوجاعهم ومشاكلهم.
عقلي سريع وليس متسرّع لكنني امرأة تسير خلف قلبها عاطفياً ومهنياً
تتحدرين من عائلة سياسية معروفة، ألم تتسبب لك رسائلك الصحافية المناهضة لأداء السلطة بشكل عام، بالحرج تجاه أقربائك أو بشرخ في العائلة؟
لا أتكلّم عن الرئيس نبيه بري في رسائلي ومواقفي الصحافية لاعتبارات عائلية بالطبع، في النهاية، انها عائلتي وانا أحبهم جميعهم. ولكنني لا أتبنى السياسة التي يعتمدونها.
وكيف استطعت ان تبقين على علاقة جيدة بالعائلة وأنت تقفين الى جانب الثورة ضد المنظومة الحاكمة ككل؟
لقد كان أمراً صعباً للغاية. فبعد ان غطيت تحركات "طلعت ريحتكن" وقعت خلافات كبيرة مع أولاد عمي واتهموني اني أعمل ضد الرئيس بري ولكنني كنت أناهض من خلال عملي كإعلامية المنظومة الحاكمة بأكملها... وفي المقابل، نتجت عن رسائلي الاعلامية، مواقف متناقضة، فالغالبية اعتبروني في صفهم لكن البعض اعتبر اني من عائلة بري ولا يحق لي أن اكون على أرض الثورة.
ألم تشعري بالظلم جراء رفض البعض لك وانت تحاولين إيصال أصواتهم الى السلطة والعالم؟
بالطبع، شعرت بالظلم لا سيما في البداية، ولكنني بعدها عاهدت نفسي ان أفعل ما يمليه علي ضميري وقناعاتي، وألا أهتم للمتنمرين الذين يهاجمونني ويسيئون إليّ لمجرد كوني من عائلة بري، متجاهلين اني كنت لسنوات طويلة أنقل معاناتهم من خلال عملي كإعلامية، من اجل التغيير الذي نحلم به جميعنا.
وما كان رأي الرئيس نبيه بري في ذلك؟
لم يبدِ يوماً رأيه بعملي ولم يلمني بل كان كلما رأيته في عين التينة يسألني عن والدي ويطمئن الى احوال العائلة.
"والتقينا" امتداد لعملي كإعلامية... لأني حملت فيه لواء وطني... لمسنا فيه أوجاع الناس ودخلنا كل بيت لأننا تكلمنا بلسانهم وجسّدنا الواقع المر الذي يعيشونه
وماذا عن والدك؟
لا يحب والدي الاعلام، كان أسعد يوم في حياته عندما تركت هذا المجال. لم يكن ينام من خوفه عليّ اثناء تغطياتي الصحافية في اندونيسيا ومالي وسواهما من الاماكن الخطرة.
وهل هو راضٍ اليوم عن دخولك مجال التمثيل والدراما؟
راضٍ وسعيد وفخور بي أيضاً، لا سيما عندما سمع الأصداء الطيبة التي حصدها مسلسل "والتقينا"، الذي جسدت فيه ما يعيشه اللبنانيين من ذل واحباط، فاعتبروني صوتهم الى ضمائر الحكام، وأظن أنني كنت كذلك.
أخبرينا عن بداياتك في التمثيل مع مسلسل "عروس بيروت".
لقد تم كل شيء بالصدفة. فقد عرضت عليّ سارة دبوسي مديرة الانتاج في مجموعة MBC، الفكرة، ورأت ان الدور يناسبني، فلم أتردّد في القبول رغم أني شعرت بخوف شديد من ألا أوفق في هذا الخطوة الجديدة بالنسبة لي، ولكن وجودي في عمل من انتاج الـ MBC وفي "عروس بيروت" تحديدا والذي يعتبر الأول عربياً، جعلني أشعر انني في ايدٍ أمينة. فكانت فرصة العمر وبداية جميلة مع هذا المسلسل.
وماذا عن "والتقينا" التي حققت من خلاله نجاحاً جماهيرياً عالياً؟
"والتقينا" يحمل قضيتنا كلبنانيين في اطار محاولاتنا الحثيثة لبناء وطن كما نحلم به ان يكون. لذا اعتبرته امتداداً لعملي كإعلامية حيث حملت لواء القضية نفسها. عندما وصلني النص قرأته بشغف ولم استطع ان أتوقف عن القراءة الى ان وصلت الى الحلقة الثامنة، وكنت أسأل الانتاج عن الحلقات المتبقية لأعرف مصير الشخصيات لا سيما رامي الطفل الذي يعيش حالة تشتت بين ام تتعرض لعنف أسري وأب مريض يعيش تداعيات طفولة قاسية. القصة لمستني من الداخل لأنني شعرت ان "حلا" بطلة المسلسل، هي انا بكل افكارها وجنونها ورغبتها في التغيير واعطاء الحقوق لأصحابها كما تقول أغنية الشارة "هيدي حقوقك مش مطالب".. فلم أتردد في قبول الدور، وقد حملنا جميعنا فيه لواء قضية وطننا وكانت النتيجة أننا لمسنا أوجاع الناس ودخلنا كل بيت لأننا تكلمنا بلسانهم وجسّدنا الواقع المر الذي يعيشونه.
كنت أحزن على والدتي وعلى والدي ايضاً
صفحاتك على مواقع التواصل الاجتماعي حاشدة بأجمل الكلمات والتهاني بنجاحك في مسلسل "والتقينا"، ما أكثر الكلمات التي أثرت بك؟
الكثيرات من فتيات الجيل الجديد كتبن لي قائلين "انتي بتمثلينا"، "انتي خليتيني إلحق حلمي"... "حبيت تمثيلك لانك كنتي طبيعية"... وهناك رسائل أبكتني من مثال: "نقلتو وجعنا"، "خليتوني إنزل انتخب"، "جسدتو الواقع اللي نحنا عايشينو"... وأكثر ما فجأني وأسعدني في الوقت نفسه، فتيات لبنانيات هاجرن الى بلاد الاغتراب هرباً من الأزمات المتلاحقة في لبنان، أرسلن لي رسائل يقلن بما معناه: أنهن "حلا" ويتمنين لو تتأمن لهن الفرصة للمشاركة في التغيير.
ألم يؤلمك هجوم الصحافة على المسلسل، لا سيما أنه لم يكن مبرراً في كثير من الأحيان، أمام النجاح الجماهيري الذي حققه في لبنان ودول الاغتراب، رغم انك من أهل البيت؟
لأنني من أهل البيت، أعلم جيداً كيف يعمل بعض الصحافيين. لا أعمم بالتأكيد، ولكنني أعرف كيف يهاجم بعضهم ذاك ليتزلفوا لآخر او من اجل اعتبارات شخصية. لكنني سعيدة في المقابل بآراء كبار النقاد الذين أعطوني حقي من أمثال الكبير جمال فياض الذي حسم الجدل قائلاً "انني ممثلة وممثلة جيدة" وهي شهادة اعتز بها، كما أن الفنان المسرحي القدير عبيدو باشا قد أنصف بكلامه الكاتبة غادة كلاس. وكلامي هذا لا يعني أني أرفض الانتقاد فمن الطبيعي الا يحب الجميع المسلسل، ولكنني ضد التنمر والانتقاد بهدف التجريح.
قيل الكثير عن ضعف في الانتاج والبعض الآخر اعتبرها خطوة جبارة في ظل الازمة التي نعيشها، ما ردك على ذلك؟
انا أعتبر "والتقينا" انتاج محلي ناجح. فهل يجب ان نمتنع عن تناول قضية تمسنا جميعاً إن كانت إمكانياتنا المادية محدودة؟؟ الـ mtv الشركة المنتجة والمنتج المنفذ الاستاذ مروان حداد مشكورين على مبادرتهم هذه والمجازفة بانتاج محلي في خضم الأزمة التي يعيشها لبنان. المخرج والممثلون وفريق الانتاج جميعهم لم توقفهم عن المشاركة في هذا العمل الأجور التي عرضت عليهم بالليرة اللبنانية أو ظروف الانتاج الصعبة، لأنهم آمنوا بالقضية التي يطرحها المسلسل واعتبروها قضيتهم وقضية كل لبناني. وتمكنا جميعنا أن نحقق لـ "والتقينا" مكانة مرموقة بين المسلسلات الرمضانية. لم يكن هدفنا المنافسة، بل ان نوصل رسالتنا الى اللبنانيين قبل الاستحقاق الانتخابي، بأن يشاركوا في الانتخابات بهدف التغيير وبأن لا يزال هناك أمل بإعادة لبنان الى ما كان عليه.
ماذا تخبرينا عن تعاونك مع المخرج المتمكّن مكرم الريس؟
مكرم مثال للمخرج الذي استطاع بقوته وقدراته، ان يقدم وبإمكانيات محدودة وظروف انتاجية صعبة، عملا رائعا ومتكاملا يحمل قضية وجودية وشائكة، لأنه آمن بها وبنا كممثلين وفريق عمل، ونحن جميعنا فخورين به وممتنين لجهوده وموهبته الجبارة. انه مثال للشاب اللبناني المكافح الموهوب والقادر على تقديم الأفضل رغم الامكانيات الضئيلة المتاحة له.
ماذا عن الكاتبة غادة كلاس؟
غادة تشبهني، فهي صحافية مثلي ولدينا الحلم نفسه بأن يكون لنا وطن كما نريده أن يكون. أرادت ان تطرح من خلال قصتها، المشاكل التي يعاني منها اللبنانيون لتجعل كل واحد منهم معني بما تطرحه وبالتغيير الذي علينا نحن كلبنانيين ان نقوم به كي نخرج من هذا النفق المظلم. أرادت ان تجسّد ما كنا شهود عليه كإعلاميين من إجرام الفاسدين وما تقوم به السلطة من انتهاكات لحقوق المواطنين، وجرائم ارتكبتها بحقهم، من حرب أهلية وفساد وتلوث وغياب شبه كامل لحقوقهم في الطبابة والعلم وضمان الشيخوخة، وصولاً الى جريمة 4 آب... وكل ذلك لتحثهم على رفض هذه المنظومة ولكن بشكل سلمي وديمقراطي، والمشاركة في الانتخابات بهدف تغيير المنظومة الحاكمة. ومن هنا، كان إصرار الـ mtv على بث المسلسل قبل الانتخابات علّنا نساهم في حث اللبنانيين على إدخال وجوه جديدة تغييرية الى المجلس النيابي وأظن اننا نجحنا في ذلك.
هل تعتبرين ان المسلسل ساهم في جعل الأكثرية الصامتة تتكلم كما وصفتموهم في المسلسل؟
نعم، ولو بنسبة قليلة، فإن اليأس الذي أصابنا أصبح متجذراً فينا وجعل الأكثرية تقاطع الانتخابات ظنا منها ان لا أمل بإمكانية التغيير. وبالفعل، لقد جعلنا شريحة من الجيل الجديد تشارك في الانتخابات. يومها، كان الناس يوقفونني انا ومكرم وغادة ليقولوا لنا ان أولادهم، وبعد مشاهدتهم للمسلسل، رفضوا ان ينتخبوا الاشخاص الذين اعتادوا هم الاهل، ان يصوتوا لهم، وأقنعوهم بضرورة انتخاب التغيير. ولو ان شخصا واحدا فقط أثر به المسلسل وجعله يشارك في الانتخابات، اعتبر عندها اننا قمنا بإنجاز كبير.
ولكن ما سر هذا الهجوم من الصحافة عليكما: الكاتبة وانت كبطلة للعمل؟
لأننا هزينا عروش الفاسدين، وبطبيعة الحال، صحافتهم لن تكون راضية على دعوتنا الناس للاطاحة بهم وانتخاب شباب تغييريين. كبار النقاد أعطوا النص حقّه لأنه لا يشبه اي نص آخر بسلاسته وقوته في الوقت نفسه، واستطاعت غادة رغم التعتيم الاعلامي الذي مورس بحقها ان توصل الرسالة وجعلت كل الناس معنيين بلبنان، وبالفعل كان "والتقينا" قصة وطن.
ما أجمل مشاهدك بالنسبة لك في "والتقينا"؟
عندما واجهت والدي الذي لم يكن عادلاً مع حبيبي في المسلسل "مجد الصايغ" وقلت له ما أفكر به واعترضت على قراراته ولكن باحترام. وهذا ما احببته في نص "والتقينا" الذي قال كلمته في معارضة السلطة الحاكمة ولكن باحترام، دون اي تجريح أو تنمر على اي طرف من الأطراف... وهذا ما صنع قوة المسلسل.
وماذا عن والدك الحقيقي؟ من أي من والديك انت أقرب؟
انا قريبة من الاثنين معاً. لكن علاقتي بهما مرت بكثير من المطبات، فوالداي منفصلان وقد علمني هذا الامر ان اتريث قبل ان أتخذ قرار الزواج.
ما كان موقفك من طلاقهما؟
لا زلت أعيش تناقضاً كبيرا في موقفي حيال طلاقهما. فعندما كنت طفلة لم أكن اريد ان تتركنا أمي، وعندما كانت تعود من اجلنا مكسورة كنت احزن عليها وعلى والدي ايضاً.
والدتي تحملت الكثير ورفضت ان تتطلق في بداية زواجها كي تمنحنا فرصة العيش انا واخوتي في كنف عائلة مترابطة. أحيانا الومها على ذلك لأنني كنت أريدها ان تكون سعيدة وألا تفني حياتها من أجل احد، وفي الوقت نفسه أقدر تضحياتها وما فعلته من أجلنا كما أقدر احترامها وحبها لوالدي حتى اليوم ورغم انفصالهما، فهي دائما ما توصينا به.. والدتي امرأة عظيمة.
اخبرينا عن أخوتك.
شقيقاتي جميلات من الداخل والخارج وهن أجمل مني بكثير. تربينا على الحرية وكل واحد منا يقوم بما هو مقتنع به. فهن محجبات وانا لا ونتعامل مع بعضنا البعض على احترام قرار كل واحدة منا. والدي عاش فترة طويلة في اميركا وعاد ليعيش في حارة عائلة بري في تبنين. ربما هذا ما منحنا سمة الانفتاح واحترام الآخر. ففي حارتنا هناك المنفتح والمتزمت دينياً والمنغلق، وهذا ما ساعدني كإعلامية ومنحني القدرة على التعامل مع المنغلقين بتفهم واحترام ومع المنفتحين على حد سواء.
بعيداً عن التمثيل والاعلام، أين تمضي نوال اجمل أوقاتها؟
في قريتي تبنين، أشكر ربي اني ولدت في قرية ذات طبيعة خلابة، فأنا من عشاق الطبيعة، وفيها اكون انا على طبيعتي، وأجد نفسي في أروقتها، أتريض وأمارس الرياضة واتنشق هواءً نظيفاً، فإن الطبيعة بالنسبة لي هي الحرية بذاتها، وكل ما يمكنه ان يقيّد حريتي أخرجه من حياتي.
نوال الانيقة الراقية، ام نوال ابنة قرية تبنين الطبيعية بملابس رياضية عادية، أيهما الأقرب إليك؟
انا الاثنتين معاً، فعندما أريد ان اكون أنيقة، أتأنّق بشكل متطرف وعندما اكون بين اهلي واصدقائي اكون طبيعية وبسيطة في ملابسي الى ابعد الحدود، وعندما اريد القيام بأمر ما، أتمّمه على أكمل وجه، فأنا متطرفة بطبعي. الحياة قصيرة فلنعشها ببساطة وسعادة ولنبتعد عن كل ما يمكنه ان يسىء إليها وإلينا.
وماذا تقولين لمن يتعرضون الى التنمر؟
انه من أصعب ما يمكن ان تتعرّضين له، لقد جعلني التنمر الذي طالني في احدى مراحل حياتي، ان ألتزم غرفتي وان لا اخرج منها لفترة طويلة. اما اليوم فقد أصبحت تلك الفترة ورائي، واستطعت أن أواجه المتنمرين وألقي بهم خارج حياتي وصفحاتي على مواقع التواصل الاجتماعي. وأقول لمن يتعرضون الى التنمر: ان المتنمرين يعانون من نقص ما في حياتهم، ويحاولون ان يسقطوا هذا النقص عليك ويلبسونك إياه، ولذا عليك ان تتحصن ضد التنمر من خلال عملك المتواصل، وعندما يكون ضميرك مرتاح لا تعود تهتم لما يقولونه عنك.